علم نفس - المراحل العمرية:
النمو العضوي والعقلي في مرحلة ما قبل المدرسة
( من السنة الثانية حتى الخامسة )
يختلف النمو
العضوي والعقلي في مرحلة ما قبل المدرسة التي تمتد بين السنتين الثانية والخامسة
اختلافاً كبيراً عنه في مرحلة الرضاعة 0 فليس في النمو العضوي لابن ما قبل المدرسة
ما يوازي تلك ( القفزات ) النمائية الخاصة بالطفل وهو يجلس أو يقف أو يمشي للمرة
الأولى ولا ننوي من هذا أن نقول بتوقف النمو الحركي في فترة ما قبل المدرسة بل
بتدرجه وتنوعه وارتباطه بأنماط خاصة من التجربة والتمرين تغاير تجارب مرحلة
الرضاعة ويخالف النمو العقلي نسق النمو العضوي فيتغير في مرحلة ما قبل المدرسة
بصورة أكثر وأوسع من تغيره في مرحلة الرضاعة 0 كما تتعرض مقومات التفكير المتمثلة
بظواهر التعلم والإدراك والتفكير والتذكر وتكون المفاهيم اللغوية للكثير من
التنميق والتدقيق .
النمو
العضوي
يكون النمو
في الطول والوزن أقل سرعة خلال فترة ما قبل المدرسة منه في مرحلة الرضاعة لكن ضربي
النمو المذكورين يستمران في الزيادة بنسبة أسرع من نسبة تزايدهما في فترة الطفولة
المتوسطة 0 ويبلغ طول الطفل في نهاية السنة الثانية حوالي نصف طوله النهائي كراشد
بالغ فيكون للطفل الكثير الحركة الذي يبلغ طوله 80 سم حظ في أن يزيد طوله على 18 سم عند رشده 0 ويزداد طول
الطفل بمعدل 17 سم
في السنة وذلك قبل السنة الثانية في حين لا يزيد معدل الزيادة السنوية بين السنتين
الثانية والخامسة على 7 سم
في العام 0 وتبطؤ زيادة الوزن أو تتوقف لفترة عندما يكون الطفل الكثير الحركة ثقيل
الجسم الأمر الذي قد يجعله يغدو طويلاً نحيلاً دون أن يكتسب أي وزن خلال جانب من
فترة ما قبل المدرسة تعد سيطرة الولد على أعضاء طرح النفايات وفق التواضعات
الاجتماعية من أكثر أنواع النمو الحركي أهمية 0 المألوف أن يسبق ضبط الأمعاء
وتدريبها نظيره في المثانة إذ أن من السهل على الأطفال التحكم في أمعائهم قبل
تمكنهم من التحكم في مثانتهم خاصة في أثناء الليل ويميل اغلب الأطفال للاستجابة
للتدريب على التحكم في الأمعاء والمثانة حوالي السنة الثالثة على الرغم من قيام
فروق فردية ترجع إلى نضج العضلات التي تتحكم بعضوي الغائط والبول والى جنس الولد
واتجاهات الوالدين منه 0 والغالب أن تسبق البنات الصبيان في السيطرة والتحكم بحركة
طرد النفايات 0 ويميل الصبيان خلافا للبنات لان يطيلوا فترة تبليل فراشهم على
الرغم من احتمال تعرض الفئتين خلال مرحلة ما قبل المدرسة لحوادث طارئة تذهب مؤقتاً
بمهارات السيطرة والتحكم 0
يدرب العديد
من البنات وبعض الصبيان أنفسهم بطريق إخبار أهليهم عن وقت شعورهم بالحاجة إلى
الخروج للحمام ويتوقف العمر الذي يتدرب فيه الصغير على التحكم بعضلاته على زمن
مبادرة الأهل له وتشددهم في متابعته وذلك بحمل طفلهم إلى الحمام في فترات منتظمة
أو كلما أحسوا بحاجته لفعل ذلك 0 ولا بد أن يعاني الأطفال الذين يستمرون بتبليل
فراشهم أو توسيخ ثيابهم حتى الطفولة المتوسطة من تأخر نمو الجهاز العضلي ومن مشاكل
عاطفية أو من الاثنين معا 0 إن على أهل هؤلاء استشارة المختصين من أطباء ونفسيين لمعرفة
المشكلات العاطفية المسؤولة عن عجز الصغار عن السيطرة على عضلاتهم ومساعدتهم على
حلها 0
يتجلى نمو
الطفل ما قبل المدرسة في مجالات أخرى أيضاً إذ يستطيع الأطفال جميعهم إطعام أنفسهم
في نهاية السنة الثانية واستخدام الشوكة والسكين بدرجة من الكفاءة أما استخدام
السكين في القطع ودهن الخبزة بالزبدة فيتأخر لعدد من السنوات ويتمكن ابن الثالثة
من خلع ملابسه كما يتمكن ابن الرابعة من لبس ثيابه بنفسه جزئياً وذلك بتبكيل
أزراره 0 ولما كان استخدام الشوكة والسكين والملعقة يتم بتواضع اجتماعي محدد وجب
ألا يبدأ به إلا بعد أن يكون الطفل قد امتلك القدرة الحركية الملائمة وذلك حوالي
السنة السادسة أو السابعة 0
تعد فعاليات
الأرجحة والتسلق وقذف الكرة أهم الإنجازات الحركية لفترة ما قبل المدرسة ويستطيع
معظم أبناء الثالثة اجتياز خط مستقيم غير أن التوازن في اجتياز الدائرة يتأخر
سنوات عن ذلك التاريخ ولا يقوى الأطفال على الوقوف على قدم واحدة إلا في السنة
الخامسة وتتفوق البنات على الصبيان في الفعالية المذكورة إذ يستطعن احتمال الوقوف
على قدم واحدة لفترة أطول من الصبيان ويبدي نشاط الأطفال في التوازن على اللوح
الخشبي تقدماً عادياً خلال النمو 0 وتقتصر قدرة أبناء الثانية على مجرد الوقوف على
اللوح خلافاً لأبناء الثالثة فإنهم يمشون على اللوح الخشبي بمناوبة القدمين أما
أبناء الرابعة والنصف فإنهم يمشون عليه بسرعة ودونما تردد 0
يتضمن التسلق
تقدماً نمائياً عادياً يشمل عوامل حركية وأخرى عاطفية وأهم المشكلات العاطفية
المرتبطة بتسلق السلالم والشجار هي الخوف من السقوط يظهر التسلق في زحف الرضيع
الصاعد للسلم 0 وما أن يبدأ الطفل بالمشي حتى يحاول تسلق السلالم دون أن يناوب
قدميه وتبدأ مناوبة القدمين في السنة الرابعة والنصف الغالب ألا يحاول الأطفال
نزول السلالم بمفردهم ولا يختلف تقدم الأطفال في قذف الأشياء عن تطورهم في تسلق
السلالم 0
يعكس اللعب
نضج المهارات الحركية لدى أطفال ما قبل المدرسة إذ يحاول الصغار في الملعب تسلق
المنحدرات الصغيرة وهبوطها والجلوس على الأراجيح وترك أنفسهم لأن يدفعوا 0 إن
بإمكان أطفال ما قبل المدرسة استخدام عدد متباين من وسائل اللعب المكشوف مثل مقافز
الغابة والزحافات وغيرها 0 ويشيع ركوب الدراجات الثلاثية العجلات بين أبناء
الثالثة الذين يستطيعون تنسيق توجيه المقود وتحريك المدوس أما ركوب الدراجة
المزدوجة العجلات فيتأخر حتى نهاية الخامسة تقريباً 0
يستطيع أطفال
ما قبل المدرسة في مجال اللعب بالأدوات الصغيرة إمساك الفراشي ودهن الخطوط
والدوائر وقطع الورق وإلصاقه والتلوين بالرصاص 0 وما أن يقوى هؤلاء على استخدام
القلم حتى يمارسوا عمليات الرسم التلقائي الذي يبدي تقدماً سنياً مضطرداً يبدأ
الرسم بالخربشة البسيطة ويمر بمرحلة الخربشة التقليدية التي يمكن وصفها بالتالي :
(( يضع ابن الرابعة ثلاث بقع من الدهان على الورقة ويصيح بالراشد تعال انظر عصفور
الغابة الوحشي الكبير )) يرسم الأطفال الأشياء التي ترمز إلى الحوادث والأشياء
الأخرى والأفكار وقد يكون الرسم أحياناً حافلة كبيرة حمراء وأحياناً أخرى أم الطفل
0
ثم تأتي
مرحلة الخربشة الموجهة حيث يطلق الأطفال خربشاتهم الموجهة المرغوبة سواء أكانت
عمودية أم دائرية وتتمثل أغلب رسوم أبناء الرابعة حتى السابعة بتخطيط قبلي يحاولون
فيه تمثيل شيء يرونه والعادة أن يبدأ الطفل برسم الرأس ثم العين والأنف والفم دون
أن يتقيد بالضرورة بالأماكن العادية لتلك الأعضاء 0 ويحاول الصغار في المرحلة
التخطيطية التي تظهر في السنة الخامسة تمثيل الشكل البشري كله الذي هو أنفسهم أن
أمهم أو أبوهم وعلى الأهل لتشجيع نمو تلك المهارات الحركية توفير الأقلام والأصباغ
والمكان الملائم والقماش وعليهم أيضاً الامتناع عن سؤال الولد رسم ما يريدون رسمه
هم والإلحاح على سؤاله ماذا رسم
لا بد من
الإشارة إلى استخدام فعاليات لعب طفل ما قبل المدرسة لأغراض اجتماعية عملية وذلك
شأن المهارات المكتسبة كلها في تلك المرحلة 0 وتهدف فعالية طفل ما قبل المدرسة
إضافة إلى عرض نشاطية الرضيع المتمثلة بتنمية المهارات الآلية والتناسق الحركي إلى
تحقيق هدف أعم يتمثل بالبعد الاجتماعي الموجه صوب تحقيق التفاعل التبادلي التكيفي
0 ويمكن للعب أن يكون كل شيء أو بعضه أي للتسلية أو للتعبير عن الذات أو لتحقيق
التكيف الاجتماعي 0
وعلى الرغم
من اتفاق علماء النفس حول التفاصيل الوصفية للنمو الحركي كما تظهر في الفعالية
الذاتية للفرد والحركة واللعب فإنهم يختلفون في الرأي بصدد كيفية اكتساب الفرد
لأنماط الفعل تلك 0 يدعي بعض الباحثين أن الأولاد ينمون أنماط الحركة الماهرة
بمعونة فعالية (( فرز المعلومات )) فيكتسب الطفل حركة ما مثل التوازن فوق اللوح
الخشبي بالمحاولة وتصحيحها في إطار التقليم الذي يتلقاه عبر قدميه وتغدو المهارات
في المرحلة الأخيرة تبعا لهذه النظرة اكثر اقتصادية واقل تنوعا من مهارات المرحلة
الأولى غير أن باحثين آخرين يؤكدون إن اكتساب أنماط الفعل الماهر يرجع إلى المهمة
الحركية ذاتها رجوعه إلى ظاهرة فرز المعلومات فيجعل الطفل من استجابة معيارية
يقيمها مثيرا محددا يعمد إلى تعديله لتمثل المواقف الجديدة 0 فقد يجرب الطفل على
لوح التوازن خطوات مشيه ذاتها التي اعتادها في مشيته العادية على الأرض لكنه يزيد
من سيطرته وتوجيهه استجابة للمثيرات الجديدة في الموقف الجديد وتقترح نظرية ((
المعيار المقام )) أن الطفل يقيم تخطيطات معيارية لمختلف أنماط المهارات الحركية
وإن المهارات الجديدة تكتسب بتعديل المهارات القديمة 0
وهناك نظرية
ثالثة تقرن فعل اكتساب المهارات بالنمو الإدراكي عامة واللغوي خاصة 0 فقد وصف
الباحثون في إحدى الدراسات ثلاثة اتجاهات للنمو اللغوي هي التعقد والتنوع والحمل
الوظيفي 0
هكذا يتعقد
النمو اللغوي من الناحية التصنيفية بحيث يعد الطفل الجمال والبغال والغنم حيوانات
0 ويتضمن كلام الطفل الكثير من المقاطع التي تتمثل بوجود أشباه جمل فرعية في
الجملة وبزيادة العمر يحدث تنوع في الدور الوظيفي للحديث إذ تخدم الجملة الواحدة
أكثر من وظيفة في العبارة الواحدة 0 ولقد صمم الباحثون ألعاباً تساعد على اختيار
الأصناف والمقاطع وتنوع الدور وعرضوها على أطفال من مختلف الأعمار فوجدوا في
المهمة التي أبدعوها أن اللعب مشى بذات الاتجاه الملاحظ في تطور اللغة مما سمح لهم
بالقول إن النمو الحركي يتبع خط النمو اللغوي للطفل نفسه أو العكس 0
ومن المفيد
التأكيد على أن النظريات الثلاث لا تتعارض فيما بينها بل وعلى النقيض من ذلك
تتكامل بصورة ما إلا أن تلك النظريات لم تكتمل بعد وما زال يعوزها أن تجمع الكثير
من البيانات الداعمة أو المعارضة 0 وكل ما تقوله النظريات في هذه المرحلة هو أن
المهارات الركية إنجاز معقد ينمو بصورة تدريجية وأنه يتبع الخطوط العامة نفسها التي
يتبعها اكتساب الأفكار المنطقية واللغة
النمو
العقلي
يكون النمو
العقلي لطفل مرحلة ما قبل المدرسة جلياً شأن النمو العضوي والحركي خلال الرضاعة 0
وينمي الأولاد في تلك الفترة ما يدعى بالذكاء العام وتقيه الروائز المعيرة
المشابهة لأدوات روز الأطفال الكبار والراشدين وتتكون في هذه المرحلة العمليات
المعرفية المتنوعة كالادراك والذاكرة والتعلم وحل المشكلات واللغة 0 ويتسع إدراك
الطفل للعالم ويتعمق بسبب اشتداد حدة قوته العقلية إذا ما قورن الأمر بذكاء الرضيع
إننا سنتناول فيما تبقى من الفصل التغيرات الخارقة للقوى العقلية 0
النمو
الإدراكي
يشمل النمو
الادراكي العمليات التي يتم بوساطتها اكتساب المعلومات التي تصلنا عبر الحواس 0
ويتحدد النمو الإدراكي بالمخطط الادراكي العام الذي يتأسس في أثناء سنوات ما قبل
المدرسة وينمو على النحو التالي : يميل إدراك الطفل الصغير لأن يمسك بالملامح
الغالبة في المثير ويثبت عليها ويتحرر إدراك الطفل من اتكاليته المبكرة على
الملامح الغالبة في المثير مع تدرجه في السن ونضج قدراته المكونة بحيث يستطيع
استشفاف تركيبات المثير وتنظيمها ككل يظهر هذا التغير في الوقت نفسه الذي ينمي فيه
الأطفال عدداً من المهارات الحركية 0
يتجلى النمو
الإدراكي للطفل في واقعة تفضيله لمجموعات المثير المعقدة وازدياد قدرته على
التعامل معها ومجابهتها ومن المتفق عليه أن يمثل التعقيد والجدة اثنين من مميزات
المثير التي تجر سلوك الاستطلاع من جانب الطفل ويمكن لنا أن نتوقع طبقاً لهذا أن
يصير الطفل أكثر تنبهاً للمثيرات المعقدة وأميل لتفضيلها على سواها بتدرجه في السن
وازدياد قدرته على فهم تلك المثيرات وهذا ما يحدث بالفعل 0 فعندما تعرض على
الأطفال مجموعة من الأشكال المتزايدة في التعقيد ويطلب إليهم رسمها من الذاكرة
يميل كبار الأطفال إلى اكتشاف الشكل الأكثر تعقيداً وذي الجوانب المتعددة وتفضيله
على سواه وذلك خلافاً للأطفال الصغار 0
والظاهرة
الادراكية الأخرى التي تواكب نمو القدرة الادراكية للطفل هي التعميم عبر الأنماط
الحسية وتتجلى تلك الظاهرة بمقارنة ما عاناه الطفل في حاسة ما بما عاناه في حاسة
أخرى 0 فقد يسأل الطفل أن يمسك وهو مغمض العينين شكلاً ما ثم يتعرف عليه بعد
تمثيله أمام بصره وقد أكدت الدراسات أن التعميم عبر الأنماط الحسية ينمو مع تصاعد
الناشئ في العمر ففي إحدى الدراسات سئل أبناء الرابعة والخامسة رسم نغم موسيقي
سمعي عرض عليهم فعجز الصغار عن عزل السلاسل الزمنية عن المكانية وما أن بلغ
الأطفال السنة السابعة من العمر حتى أجادوا التمثيل المكاني للسلاسل الزمنية دون
أن يحاولوا تقليد الملامح العضوية للصوت 0
ومن جهة
ثانية تشير الدراسات في مجال تعميم النمط الحسي إلى أن الادراك لا ينمو في عزلة عن
الظواهر النفسية الأخرى مثل الدافعية وسواها بل أنه ينمو متفاعلاً مع تلك الظواهر
وللدلالة على ذلك هب أنك طلبت إلى أبناء الرابعة حتى الثامنة رسم صور القديس سانتا
كلود دورياً قبل عطلة الميلاد وبعد أسبوعين منه فإنك ستلاحظ أن صور القديس المذكور
تكبر كلما قرب الميلاد وتصغر بإشراف العطلة على الانتهاء 0
ويرتبط النمو
الإدراكي بنظيره اللغوي فيساعد ترداد أبناء الرابعة لأسماء الأشكال على تذكر تلك
الأشكال أكثر مما لو سمعوا شخصاً آخر يردد تلك الأسماء 0 ثم أن سماع الآخر يردد
أسماء الأشياء يساعد الأطفال على تذكر الأشياء أكثر مما لو لم يسمعوا أسماءها فقط
0 ولقد تبين أن للغة أهميتها في مساعدة أبناء الرابعة على التمييز الادراكي لعجزهم
عن التركيز الانتقائي في تلك السن 0 فاللغة تساعد الأطفال على انتقاء الجوانب
الهامة من مثير معقد وإهمال الجوانب الثانوية من ذاك المثير 0 ومن الواجب هنا أن نلاحظ
أن تأنيب الوالدين للصبي والمتمثل بقولهم : (( انظر ما تفعل )) يجب أن يتخصص حتى
يصبح مجدياً ومن الأفضل للوالد في هذه الحالة أن يقول للولد : (( راقب حافة كأسك
عندما تصب العصير )) 0
الذاكرة :
إلى أية درجة
من الصحة والجودة يستطيع الأطفال تذكر ما يسمعون أو يرون ؟ ليس هذا السؤال السهل
إذ يتوقف الأمر على طبيعة المادة المتذكرة أهي لفظية أم تصويرية وعلى ما يقصده
السؤال من تذكر طويل المدى أم قصيرة وعلى المستوى النمائي للطفل وخاصة في القدرات
الادراكية 0 ومن الأفضل إذا كان على الطفل أن يتذكر شيئاً ما عرض ذلك الشيء أو
اسمه أو الشيء واسمه على الطفل 0 ولا بد هنا من التساؤل عن طبيعة النشاط التذكري
للطفل فقد تكون ذاكراته بصرية أو سمعية أو سمعية بصرية أو من بعض أنماط حسية أخرى
0 وعلى العموم يميل أطفال ما قبل المدرسة إلى تذكر صور الأشياء بشكل أفضل بكثير من
تذكرهم لأسمائها 0 لقد تذكر أبناء الرابعة في إحدى الدراسات 93% من الأشكال الستة
عشر التي عرضت عليهم ولم يتذكروا سوى 71% من بنود لفظية عرضت عليهم بالشروط
التجريبية ذاتها 0 غير أن من الضروري أن نلاحظ أن المبحوثين كانوا يحاولون تسمية
الأشياء التي عرضت عليهم الأمر الذي قد يدفعنا إلى الشك بتعاون الشيء مع اسمه على
مساعدة الصغار على التذكر 0
كانت مواد
التجارب المذكورة صوراً ومفردات لا رابط بينها 0 فماذا يحدث لو عقدت المادة
المطلوب تذكرها ؟ وهل يستطيع الصغار تذكر الأفكار المترابطة في مادة نثرية أكثر من
تذكرهم نظيرتها المفككة في المادة نفسها ؟ إن النتيجة واضحة 0 يستطيع أطفال ما قبل
المدرسة تذكر الأفكار ذات السياق المترابط بمعان خصبة أكثر من قدرتهم على تذكر
أفكار تعجز معانيها عن إقامة سياق ترابطي متماسك 0 ويشبه تذكر الصغار بهذا المعنى
تذكر الأطفال الكبار والراشدين ويبقى الفارق بين الفئتين في عجز الصغار عن تذكر
قدر مماثل للأطفال الكبار والراشدين 0
لا يمتلك
الصغار في تذكرهم لقوائم المفردات والنثر وسلاسل الصور أساليب تذكرية ملائمة
فالغالب أن يربط كبار الأطفال والراشدين العناصر الفردية لتذكر ما بصنف أعم منه
إلا أنه تعوز أطفال ما قبل المدرسة مهارات التصنيف والفرز والتعليم 0 فقد يصنفون
كلباً وقطاً معاً ويهملون البقرة والبغل لأن الكلب والقط يعضان والبغل يحمل
والبقرة تعطي الحليب 0 وتكتمل القدرة التصنيفية للأولاد بحلول عامهم السابع
فيذكرون الأشياء في إطار أصنافها الأكثر عمومية 0 ولا يعني هذا أن القدرة
التصنيفية تنمو بصورة مفاجئة بل أن لها جذورها النمائية التدريجية المتمثلة
بمناورات بدائية للأولاد الأصغر من السابعة وقد لوحظ أن ابن الثالثة يستخدم مخططات
مكانية وزمانية ولفظية أكثر من ابن الثانية 0 لذلك إذا ما سئل أبناء الثالثة
والثانية أين خبأت اللعبة ؟ مال أبناء الثالثة للالتفات صوب المكان الذي خبئت فيه
اللعبة أكثر من ميل أبناء الثانية له ذلك بصدد الذاكرة القصيرة المدى فماذا بشأن
الذاكرة الطويلة المدى ؟ 0
يروي بياجه
واينهلدر نتائج مثيرة للدهشة بصدد التذكر الطويل المدى فقد أنكر الباحثان أن يكون
التذكر نسخاً عن المعاناة وأنه خزن بسيط واستعادة للمخزون من الطبيعة نفسها 0 إن
التذكر برأي بياجه ورفيقه فعالية نشيطة تخضع المعاناة الأولية لتحولات عديدة عميقة
قبل أن تسترجعها 0 وما يتذكره الطفل لا يشابه الأصل المختزن وفي الواقع لم تكن
نتائج بياجه واينهلدر بجديدة إذ سبق لبارتليت وفرويد أن أوضحا أن المخزون المتذكر
يتعرض للعديد من التحولات التلقائية 0 لقد أبان بارتليت أن القصص المتذكرة تتنمق
أو تنشحذ في بعض الجوانب وتستوى أو تتغير في جوانب أخرى فيغدو الجبل هضبة وخمسة
الأيام والنصف أسبوعاً 0 ولاحظ فرويد بدوره أن الكثير مما تذكره مرضاه لم يخرج عن
كونه تخيلات مصطنعة أو مشاهد بناها اللاشعور لإخفاء الحوادث المؤلمة أو تمويهها
وكل ما فعله بياجه ورفيقه هو إضافة البعد النمائي لفكرة بارتليت وفرويد 0 فقد أظهر
الباحثان في سلسلة من الدراسات إن تذكر الأطفال للأشياء الكمية يتغير تلقائياً مع
نمو القابليات العقلية اللازمة لفهم العلاقات الكمية 0 عرض على أولاد الرابعة
والخامسة والسادسة في إحدى الدراسات مجموعة من ثماني عصي شكلت سلسلة بحجوم مرقمة 0
رتبت العصي من الأصغر للأكبر وسئل الأولاد أولاً نسخ السلسلة ثم سئلوا رسمها من
الذاكرة وذلك مباشرة بعد رؤيتها وبعد أسبوع أو ستة أشهر من رؤيتهم لها 0 صعب على
أبناء الرابعة نسخ السلسلة وتذكرها بشكل دقيق وغالباً ما كانوا يرسمون زوجاً من
العصي تكبر إحداها الأخرى خلافاً لأبناء الخامسة والسادسة فقد كانوا أكثر دقة
وأعطوا نسخاً مطابقة للسلسلة 0 المذهل أن يبدي أبناء الرابعة تحسناً واضحاً في
رسمهم السلسلة بعد ستة أشهر من رؤيتها على رسمهم لها بعد رؤيتها مباشرة وذلك على
الرغم من أنهم لم يسألوا رسم السلسلة بين التاريخين وقد خلص بياجه واينهلدر إلى
القول بأن التحولات قد حدثت نتيجة لنمو القدرة الإدراكية لترتيب عصي من حجوم
مختلفة 0 ولقد دعم باحثون آخرون نتائج بياجه وزميله 0
قدم بياجه
واينهلدر دليلاً جديداً على أن التذكر ظاهرة نشطة 0 وليس ضرورياً في ضوء نتائج
بياجه الانسياق مع رأي فرويد وبارتليت القائل بأن للذاكرة خاصة تشويهية إذ أن
التذكر يتحسن مع الزمن 0 والمبدأ نفسه لا ينطبق على حوادث الطفولة المبكرة إذ لا
يتذكرها الراشد إلا نادراً جداً 0 ولا يشمل هذا النادر سوى حادث أو حادثين جزئيين
مفككين وغائمين 0 ويرجع السبب في ذلك إلى غموض مفهمي الزمان والمكان عند الطفل 0
فالذكريات تخزن في إطاريها الزمني والمكاني كما يتمثل الأمر في سؤالنا أين كنت
ليلة 00؟ ومفاهيم الصغار عن المكان والزمان في غاية الغموض إذ أنهم يعجزون عن
غقامة إطار منهجي يمسك الذكريات وهذا ما يجعلهم عندما يصبحون راشدين عاجزين عن
تذكر حوادث طفولتهم المبكرة 0
سلوك
المحافظة :
اتخذ بياجه
منهجاً نمائياً لدراسة التعليم الإنساني فحاول تتبع نمو التفكير لدى الأطفال من
الرضاعة للمراهقة يعتقد بياجه أن الطفل يتعرف على العالم من حوله بالإخضاع
التصاعدي للإدراك لسلطان العقل وهو ما يميز سير العلم عموماً فليست كروية الأرض
بأمر واضح في ذاته بل لا بد من استنتاجها من بعض الإمارات مثل ظلال الأرض على
القمر واختفاء المراكب عبر الأفق ولقد استغرقت البشرية آلاف السنين للتغلب على
انطباعاتها الادراكية بصدد انبساطية الأرض ودوران الشمس حولها 0
ولمعرفة ما
يخضع من عالم الطفل للإدراك وما يخضع منه للمنطق صمم بياجه بعض مهمات المحافظة حيث
يجابه الطفل بموقف تتعارض فيه الأحكام الادراكية والمنطقية وتعاون بياجه مع رفاقه
لتصميم مهام حفظ متباينة لعدد من المفاهيم تشمل العدد والمكان والزمان والكمية
والحركة والسرعة وعلى العموم لم يبد أغلب أطفال ما دون السابعة أي ميل لسلوك
المحافظة في أي المجالات السابقة ويعتقد الباحث أن أطفال ما قبل المدرسة تعوزهم
القدرة العقلية أي قدرات التفكير للتغلب على الأوهام التي تتجسد في الإدراك
وبعبارة أخرى فإن ما يسيطر على تفكير الطفل في المرحلة الأولى من نموه هو معطيات
الإدراك الحسي التي لا تدع له فرصة تأويلها أو التفكير فيها ولذلك فإن الطفل يدرك
الموجودات كما تبدو له من أن يصل إلى مفهوم المحافظة ( الثبات ) ذلك المفهوم الذي
يسمح له بإدراك الموجودات على أساس من التصنيف والتنظيم والفهم لخصائص الأشياء
والكميات ( الغزي 1976 ص52 ) ولقد كررت تجارب بياجه في أرجاء مختلفة من العالم
وأعطت نتائج مذهلة ومن طرف آخر ادعى بعض الباحثين أن لصغار الأطفال قدرة أكثر مما
اعترف لهم به بياجه 0
ثمة مشكلتان
جذبتا الانتباه خاصة وهما : الاستدلال التحويلي ومفهوم الطفل الصغير عن العدد يعرض
بياجه على الأطفال إبريقين مليئين بالقدر نفسه من عصير البرتقال إلى جانب إبريق
ثالث فارغ طويل وضيق ويسال الطفل عما إذا احتوى الإبريقان القدر نفسه من الشراب
وما إن يقتنع الطفل بتساوي الشراب في الإبريقين حتى يعمد الباحث إلى صب أحد
الإبريقين في الإبريق الرفيع الطويل ويسال الطفل إذا كان الإبريق الثالث يضم كمية
الشراب نفسها التي يضمها الإبريق الأول يتوهم الطفل أن في الإبريق الثالث شراباً
أكثر مما في الأول 0 وعلى الطفل للتغلب على وهمه أن يستخدم المنطق ويؤكد تساوي
الكميتين وهكذا تعطي إجابة الطفل المتمثلة بتساوي الكمية دليلاً على أن الطفل قد
تطور واكتسب مفهوم الثبات أما الإجابة المتمثلة بزيادة إحدى الكميتين على الأخرى
فتدل على تباطؤ نمو الطفل في مفهوم الثبات ( بيرد ، الترجمة العربية 1976 ) 0
الاستدلالات
التحويلية :
افرض أنك
أريت طفلاً عصوين من طولين مختلفين وأن العصا الأولى كانت أكبر من الثانية وأنك
سألته أي العصوين أطول من الأخرى ثم افرض أنك أريت الطفل عصوين الأولى من الزوج
السابق والأخرى جديدة وسألته أيهما أطول 0 أخيراً هب أنك سألت الطفل دون أن تسمح
له بمقارنة العصي مباشرة أي العصوين أطول من الأخرى الأولى أم الثانية تكون العصا
الأولى أكبر من الثانية والثانية أكبر من الثالثة فإن خلص الطفل إلى التأكيد بأن
الأولى أكبر من الثالثة يقال أنه أجرى استدلالاً تحويلياً 0 لقد ادعى بياجه أن
صغار الأطفال لا يقيمون استدلالات تحويلية ولقد دعم باحثون آخرون ومن مشارب معارضة
لمشرب بياجه رأي الأخير إلا أنه وفي السنوات العشر الماضية أكد باحثون آخرون
أن أبناء الثالثة أو الرابعة يستطيعون أيضاً إجراء الاستدلالات التحويلية وأنهم
أكثر كفاءة في الادراكية المنطقية مما تصوره بياجه 0
يأتي الدليل
بصدد الأحكام التحويلية لأطفال ما قبل المدرسة من دراسات درب فيها الأطفال على
مقارنة الأزواج المختلفة من العصي قبل استدلالهم 0 علم الأطفال في إحدى الدراسات
أن أكبر من ب و ب أكبر من جـ وجـ أكبر من الأطفال في إحدى الدراسات أن آ أكبر من ب
و ب أكبر من جـ و جـ أكبر من د و د أكبر من هـ وذلك باستخدام عدد من العصي بألوان
مختلفة 0 وكانت أطوال العصي كالآتي آ= 7سم ، ب = 6سم ، جـ = 5سم ، د= 4سم ، هـ =
3سم وكانت الألوان بالتتالي : أزرق – أحمر – أخضر – أصفر – أبيض واستخدمت في
الدراسة قطعة من الخشب مثقوبة بأعماق متباينة بحيث لا ترتفع أي من العصوين
المثبتتين باللوحة عن 1,5 سم
0 وسئل الأولاد عن أي العصوين أطول من الأخرى وذلك عندما تكونان مثبتتين إلى
اللوحة ثم عرض عليهم الطول الفعلي للعصوين بإزاحتهما من اللوحة وهكذا تعلم الصغار
التعرف على مختلف الأطوال بوساطة اللون كما تعلموا تلك المقارنات بسهولة وطلب إلى
الأولاد في الروز مقارنة العصا (ب) بالعصا (د) عندما كانتا في اللوحة فأصاب أكثر
من 75% من أبناء الرابعة الإجابة ولقد أد باحثون آخرون تلك النتائج أيمكن لصغار
الأطفال أن يسلموا أنفسهم للتدرب على إقامة الاستدلالات التحويلية ؟ أنه لمن
الممكن أن يكون الأطفال خلال التدريب قد أفرطوا في تعلم حجوم العصي التي ربط كل
منها بلون معين ويمكن أن يكونوا قد أقاموا صورا عقلية للعصي أثناء التدريب ومن ثم
راجعوا الصور العقلية في رؤوسهم عندما سئلوا مقارنة ( ب) و (د) إن كان الأمر كذلك
فمن الأرجح ألا يكون الصغار قد صنفوا الإجابة الصحيحة بوساطة التفكير التحويلي بل
بوساطة التخيل العقلي وهكذا يبقى من غير الواضح ما إذا كان بإمكان أطفال ما قبل
المدرسة التدرب على إقامة الاستدلالات التحويلية إلا أنه لا يمكن لأغلب صغار
الأطفال استخدام مثل تلك الاستدلالات بصورة تلقائية 0
نمو اللغة
:
يكون نمو
اللغة في مرحلة ما قبل المدرسة مذهلاً غذ ينتقل الطفل من لعثمة كلمة واحدة خلال
السنة الأولى من الحياة إلى البناء اللفظي الكامل في السنة الرابعة أو الخامسة
وتتضارب الآراء حول طبيعة الانقلاب اللغوي المذكور وآليات حدوثه غير أن الباحثين
جميعاً يتفقون على أن الدراسات النمائية التي تتعلق بكيفية اكتساب الطفل للغة
وكيفية استخدامها إنما تشكل المنهج الملائم لفحص نمو اللغة 0 لذلك فإن أكثر
الأبحاث تستخدم دراسات طولانية مع عدد من الصغار بهدف تتبع نمو اللغة 0 وسوف نحاول
هنا مراجعة بعض جوانب النمو اللغوي خلال سنوات ما قبل المدرسة إضافة لعرض بعض
النظريات التي تحاول تفسير ذلك النمو 0
اكتساب
اللغة :
يعد طول
اللفظة اللغوية أهم أبعاد النمو اللغوي الذي حظي بأكبر قسط من اهتمام الباحثين
تطول لفظة الطفل بازدياد سنه وتعد العبارة المكونة من كلمتين مثل ( ماما اشرب )
تحسنا ملحوظاً في فعالية الاتصال إذ يستطيع ثنائيو العبارة اختيار أي تركيب من
فاعل وفعل أو مفعول به 0 غير أن وحدة الفاعل والفعل تبقى أكثر التراكيب شيوعاً
ويزداد تباين البنى اللغوية بتقدم أبناء الثالثة والرابعة إلى التجميع المركب من
أربع كلمات فيستخدم بعضهم وكلاء لأداء الشيء أو الفعل وتتخذ جملهم صيغة أنا أقذف
الكرة أنا أريد الحلوى وتعترف فئة ثانية من الأطفال بوجود آخر يفعل أو يريد فتتخذ
جملهم صيغ بابا يريد أو ماما تغير الشراشف وهكذا تقوم فروق واضحة متميزة في كيفية
اكتساب الأطفال للغة وخاصة في الفترة التي يطول فيها التركيب وتتعدد مفرداته
وتتنوع بناه ثم أن مفردات اللغة ذاتها تتسع موزعة بين مفردات نشطة وأخرى خاملة
مختزنة وعلى الرغم من صعوبة تقدير حجم لغة الطفل فإن بعض الباحثين يقدرون عدد
المفردات الخاملة المختزنة لأبناء الرابعة بعدة آلاف مفردة 0
ويقل عدد
المفردات النشطة المستخدمة عن هذا العدد كثيراً وليس لاكتساب مختلف أنواع المفردات
صيغة موحدة إذ تكتسب بعض المفردات أبكر من غيرها وتكتسب فئة ثانية بصورة أسهل من
بقية المفردات وفي الوقت الحاضر تركز الدراسات اللغوية اهتمامها في كيفية اكتساب
نوع محدد من المفردات وخاصة منها المضادات ( أكثر ) و( أقل ) وقد وجد أن الصغار
يفهمون كلمة أكثر دون أن يميزوها من كلمة أقل إلا أن تلك النتائج لم تتأكد في
الدراسات كلها 0
درس أيضاً
مفهوم الزمن لدى الطفل وبدا أن للطفل مفاهيم دقيقة حول الزمان والمكان وينعكس فهمه
لتلاحقات الزمن في لغته فيبدأ فهم كلمة ( قبل ) و ( بعد ) خلال فترة ما قبل
المدرسة على الرغم من فهمه ( لقبل ) أبكر من فهمه ( بعد ) إلا أن بعض الأطفال
يخلطون المفهومين ويعدونها مترادفين والطريف أن يفهم الأطفال ( أمس ) أكثر من (غد
) وليس لأبناء الثالثة والرابعة مصاعب في فهم الحروف المحددة وغير المحددة فهم
يستخدمونها بصورة جيدة 0
النظريات
التي تفسر النمو اللغوي :
برز عدد من
النظريات المتباينة لإيضاح نمو القابليات اللغوية لدى الأطفال وتستطيع أي من تلك
النظريات الإسهام بقدر ما في إيضاح النمو اللغوي وفهمه دون أن تبلغ أي منها درجة
من الشمولية بحيث تستطيع إيضاح جوانب النمو اللغوي كلها 0
تشير إحدى
النظريات إلى أن النمو اللغوي يعكس نضجاً في البنى اللغوية التي هي على درجة من
الفطرية وذلك بسبب عموميتها لدى أفراد الجنس البشري كلهم 0 والأطفال طبقاً لهذه
النظرية مقدر لهم أن يتكلموا لغة تحددها البيئة الاجتماعية للطفل ويستخدم الطفل
لتعلم لغته لا الملامح العامة للغة ومجموعة فرضيات تمكنه من تعلم الجوانب الفريدة
في لغته يولد الطفل برأي تلك النظرية ومعه بعض القدرات اللغوية وقد دعمت بعض
الدراسات المقارنة هذه النظرة 0
يقف في الطرف
الثاني أولئك الباحثون الذين يعتقدون بأن اللغة تكتسب كلياً بالتعلم ويرجع ما
يتعلمه الطفل إلى تطويع ما يسمعه من الآخرين إذ أن السلوك اللغوي شأن أنواع السلوك
كلها يتعلم بضرب من التعزيز وقد أكدت نتائج اكثر الدراسات أن مفردات الطفل تزداد
بازدياد استعداد الراشد للتحدث إليه 0 وتؤكد النظرية الثالثة في النمو اللغوي
أهمية نشاط الطفل في تعلم اللغة 0 ويرى أصحاب هذه النظرية أن النمو اللغوي مماثل
للنمو المعرفي الادراكي فيتعلم الطفل المفردات والبنى الصرفية للتعبير مع تعلمه
الاكتشاف النشط لمحيطه وكما سبق أن أشرنا يعرف الطفل أن الأشياء توجد وتختفي وتظهر
وهي تجربة يجب أن تخضع للترميز اللغوي فتعلم الاسم يشير إلى وجود الشيء وعبارة (
كل شيء ولى ) تشير إلى اختفاء الشيء وعبارة ( المزيد من الحلوى ) تشير إلى ظهور
الشيء من جديد 0
يتوفر في نمو
الطفل اللغوي وقائع تدعم النظريات السابقة كلها ويبدو أن لكل منها جانباً من قول
الحقيقة أما الحقيقة كلها فلا بد أن تقوم في شرح هذه النظريات في نظرية رابعة أوسع
وأشمل وأدق من كل ما قد اقترح 0
مهارات
الاتصال الدلالي :
اللغة في
جوهرها أداة اتصال إذ يتمثل أهم جوانب النمو اللغوي في القابلية المتصاعدة لدى
الطفل لاستخدامه اللغة للتعبير عن أفكاره ولا يتم الاتصال المجدي إلا إذا أخذ
المتحدث توقع السامع بعين الاعتبار 0 ثم أن فهم توقعات الآخر مهارة يجب إضافتها
إلى مهارة اكتساب اللغة وتسمى بمهارة الاتصال الدلالي 0
كان بياجه
أول من اهتم بمهارات الاتصال الدلالي إذ لا حظ في أعماله المبكرة أن الأطفال
غالباً ما يتحدثون عن بعضهم وليس إلى بعضهم إذ تكون الكلمة لاحقاً بالفعل وليس
وسيلة اتصال أو محاولة لأن تكون وسيلة اتصال ربما قال ابن الثالثة ( أمي اشترت لي
هذا الحذاء ) أو قال رفيقه ( هذا البليد لم لا يكتب جيداً ) 0
دعا بياجه
تلك اللغة بالقوقعية ولاحظ أنها تشكل جانباً كبيراً من لغة الصغار عندما يتحدث
بعضهم إلى بعض ولكنها تضعف عندما يتحدثون إلى الراشد عرف بياجه القوقعية بالعجز عن
أخذو جهة نظر الآخر أو توقعاته بعين الاعتبار في المخاطبة وتوصل بياجه إلى نظريته
بطريق ملاحظاته الطبيعية وقد أكد الباحثون الذين استخدموا تجارب الاتصال الدلالي
ملاحظات بياجه 0 وقد عرضت على الأطفال في إحدى التجارب أشكال هندسية وسئلوا
تسميتها فسمى الصغار الأشكال بسهولة ( تفاحة ) ( قط ) وكان في مقدورهم تلبية طلب
الباحث إذ سماها وسألهم انتقاءها له 0 أيعطي هؤلاء الصغار للأشكال الهندسية أسماء
ذاتية 0 لكن الأسماء ليست ذاتية بالنسبة لطفل يسمي الشيء ويتعرف عليه 0
درب الصغار
على إعطاء أسماء للأشياء ورتبوا في أزواج وأجلسوا إلى الطاولة بعضهم قبالة بعض بعد
أن وضع حاجز بين وجهي الطفلين أعطي كل طفل مجموعة من الأشكال الهندسية وكان عليه
أن يلتقط شكلاً ويسأل شريكه تسميته له لم يصف أبناء الثالثة والرابعة الشكل بل
أعطوه الاسم الذاتي ولم يفهموا أن الاسم لم يكن يعني شيئاً للطفل الآخر أما أطفال
السادسة أو السابعة فكانوا يصفون الأشكال بحيث يستطيع الطفل السامع التعرف على
الشيء الذي اختاره المتحدث 0
وعلى الرغم
من أن للأطفال بين الثالثة والخامسة مصاعب في الاتصال بالآخر عندما يمتلك وجهة نظر
مغايرة فإنهم يمتلكون ضرباً ولو فجاً من مهارات الاتصال الدلالي يبسط ابن الرابعة
لغته عندما يتحدث إلى ابن الثانية ولا يفعل ذلك عندما يتحدث إلى الراشد ويستطيع
الأطفال أحياناً إدراك فروق التوقعات بينهم وبين الآخر 0
خصائص تفكير الأطفال بين الثالثة والخامسة
إن من يدرس مستوى
النمو العقلي لأبناء الثالثة فالخامسة قد يضيع في فهم السمات المميزة لعالم الطفل
العقلي فيعده قطعاً ممزقة أو نتفاً مفككة والواقع أن لعالم الطفل العقلي تنظيمه
الفريد ومنظوماته المتميزة عن نظيرتها لدى الراشد 0 وليس الراشد بغريب عن هذا
العالم إذ أنه كثيراً ما ينكص إلى أنماط التفكير الذاتية المميزة للطفل 0 وقد درس
بياجه عالم التفكير لدى الطفل ووصفه بالخصائص المميزة التالية :
1-
السببية الظاهرية : ووفقها
يفترض الطفل أن ثمة علاقة سببية بين الأشياء التي تحدث معاً 0 فقد يخاف الطفل
ويحدث أن يختبئ خلف غطائه فيتوصل إلى الاعتقاد بأن الغطاء قد حماه من الأذى 0 لذلك
ما أن يشعر الطفل بالخوف مرات أخرى حتى يركض يختبئ خلف الغطاء ليست السببية
الظاهرية سوى نتيجة لضرب من التفكير يعرف بالاستدلال العبري الذي يوصف بالتالي :
آ و ب تحدثان
معاً
آ قائمـــة
لا بد أن
تكون ب قائمة
يرجع الكثير
من عناد الطفل إلى الاستدلال العبري فيرفض طعامه لأنه سبق أن أصابته الحمى يوم
تناوله للاستدلال العبري استطالاته لدى الراشد في التفكير الخارق فالرجل الذي
يمتنع عن الذهاب إلى متجره عندما يصادف في طريقه امرأة تحمل جرة فارغة إنما يفعل
ذلك بسبب تجربة طفلية في الاستدلال العبري 0
2-
الإحيائية : وهي نزعة تقوم على
الاعتقاد بأن الأشياء الجامدة حية ذلك لأن الطفل ينمط العالم المادي من حوله في
إطار تجربته إذ أنه يحس بالألم والحرارة والبرد فإنه يفترض أن الحجر والشجرة تتألم
وتتضايق من الحر والبرد ومن مظاهر التفكير الإحيائي الاعتقاد بأن المشاعر مادية
بالمعنى نفسه الذي يكون فيه اللون مادياً دار الحوار التالي بين الباحث وأحمد :
الباحث :
لماذا تمسك فمك يا أحمد ؟
أحمد : لأن
ضرسي يؤلمني 0
الباحث :
أيؤلمك كثيراً ؟
أحمد : نعم ،
ألا تشعر به ؟ 0
ليس عجباً في
إطار فهمنا لإدراك الطفل العبارات ( قبل ) و ( بعد ) و ( أكثر ) و ( أقل ) أن نرى
الطفل يعد الموت والحياة مترادفين فليس الموت بالنسبة لابن الثالثة أو الرابعة
غياباً للحياة فالحياة في خواص الأشياء كلها بل هو ضرب من الاختفاء المادي المؤقت
تأمل الحوار التالي :
محمود : لماذا
يدفنون الأموات في الأرض ؟
خالد : لا
أعرف أين تعتقد أنه يجب أن يضعوهم ؟
محمود : في
صندوق القمامة 0
خالد :
ولماذا في صندوق القمامة ؟
محمود : طيب
، يكون أسهل لهم أن يخرجوا ولا يكونون متسخين كثيراً 0
أما في
الطفولة المتوسطة يفهم الصغار أن الموت توقف الحياة بالمعنى العضوي وتكون التجربة
المعرفية مفزعة تماماً 0
3-
الغرضية : تقوم الصيغة الثالثة
لتفكير الطفل في الغرضية إذ يعتقد الصغار أن كل شيء في العالم صنعه الإنسان لهم
وإذا وجب أن يكون لكل شيء غرض ويجب أن تفهم كلمة الطفل الأزلية ( لماذا ) في هذا
الإطار وعلينا بالتالي أن توفر الإجابات الملائمة لأسئلة الطفل بحيث يفهمها الأخير
وتبقى على جانب من الحقيقة فالشمس وجدت لتدفئنا وتختفي الفراشات في الأعشاب كي لا
تأكلها العصافير 0
هدفنا من
الوصف الموجز لخواص عالم الفكر لدى الطفل هو التأكيد بأن للطفل عالماً فكرياً
كاملاً ومتكامل العناصر والصفات وليس عقل الطفل لوحة بيضاء تملؤها التجربة بل أن
الطفل يبني في كل مرحلة عالم مفاهيمه الخاص والنمو بطبيعته تعلم من جانب الطفل
لعالم المفاهيم لدى الراشد وتخل مستمر عن عالم المفاهيم الخاص أو الذاتي لدى الطفل
الشخصية النمو الاجتماعي في مرحلة الطفولة المتوسطة
( من السنة الخامسة حتى الثانية عشرة )
تستمر عملية
التأهيل الاجتماعي للأطفال في مرحلة الطفولة المتوسطة التي تعد مرحلة أساسية في
نمو الطفل ينتقل بعدها إلى مرحلة المراهقة ليكون على استعداد للعب أدوار الراشدين
بجدية ومسؤولية 0 ويكون معدل النمو خلال سنوات المدرسة الابتدائية بطيئاً وثابتاً
وتكون الضغوط قليلة نسبياً والملذات وافرة 0 فلم يعد الناشئ بحاجة إلى النصح
الوالدي إذ أنه ينطلق لشأنه الوقت كله يلعب ويكتشف عالمه ويتعلم الكثير حول الناس
والأشياء 0 وعادة يعيش ابن المدرسة حراً في لحظته الراهنة منعتقاً عن المسؤوليات
الأساسية وعلى الرغم من تعرضه لبعض الغبن وخيبات الأمل فإنه على العموم يشعر
بالقناعة والرضى عن عمر مقبل سعيد 0 وتسمى سنوات المدرسة الابتدائية تبعاً لذلك
بالفترة الذهبية من سنوات الطفولة فيذكرها أغلب الراشدين بكثير من الحب الحي لأصدقاء
عرفوا وأشياء صنعت 0
ولا بد من
التأكيد أن هناك ضرباً هاماً من التغيير يحدث في شخصية الفرد بتأثير دخوله المدرسة
فالناشئ يقضي نصف ساعات يقظته ولعدة سنوات في المدرسة الابتدائية مما يضعف روابطه
بأسرته واتكاليته على والديه 0 ويطرأ في هذه المرحلة تحول تدريجي لعلاقات الدعم
النفسي من الوالدين إلى الأقران وأفراد المجتمع ويغدو لاتجاهات الأقران من الناشئ
دور أساسي في تكوين مفهومه عن ذاته كما يلعب الراشدون في محيط الطفل بدءاً من
معلمي المدرسة وانتهاء بالأبطال التاريخيين دوراً أساسياً في التأهيل الاجتماعي
للطفل
دخول المدرسة
يؤدي دخول
الأطفال المدرسة إلى مجابهة زخم جديد من التحديات والفرص على السواء 0 وعلى الصغار
قبل كل شيء التخلي عن الكثير من اتكاليتهم السابقة على الأهل وعلى محيط الأسرة 0
إذ تفرض الحياة الجديدة عليهم أن يقضوا ساعات طويلة وعديدة من كل أسبوع في محيط
جديد يديره أشخاص غرباء ويشغله أطفال غير مألوفين 0 ولا يلاقي الناشئ في وضعه
الجديد التقبل النفسي المطلق الذي اعتاده في البيت فهو الآن في وسط جديد تلغى منه
الأوضاع الثابتة والاحترام الذي اكتسبه من أسرته وأطفال جواره وعليه أن يبدأ صفحة
جديدة نظيفة 0 وكما هو معروف يحكم على الأطفال في المدرسة على أساس حسناتهم
وسيئاتهم كتلاميذ وزملاء على مقعد وفي ملعب 0 وطريقة الحكم على الصغار والاستجابة
لهم تؤثر تأثيراً حاسماً في اتجاهاتهم من المدرسة وفي تكون ميلهم للعمل والدأب
وإحساسهم بالرفعة أو القصور 0
الاتجاهات
نحو المدرسة :
يتطلع العديد
من الأطفال بكثير من الشغف لبداية افتتاح المدرسة لأنها تمدهم بشعور بالأهمية
والنضج وتكون فرصة لتعلم أشياء كثيرة أو لصنعها 0 إنهم الآن قادرون على ( أن
يكبروا ) وعلى أن يمشوا إلى المدرسة أو يركبوا الحافلة المدرسية مع الأولاد الكبار
أو يشتركوا في الفعاليات العديدة التي سمعوا عنها من أشقائهم الكبار أو من أطفال
جيرانهم وعلى الرغم من التشكي اللفظي للصغار من المدرسة والمتمثل بعبارة ( هل علي
أن اذهب اليوم ) ومن فرحهم بحلول العطلة الصيفية فإن أغلبهم يتطلعون بشوق لحلول
العام الدراسي الجديد ويعتزون بترفيعهم إلى الصفوف العليا ويسعدون لتقدمهم في صفوف
ومواد درسية جديدة 0
لا بد من
الإشارة إلى أن هناك استثناءات هامة للاتجاهات الإيجابية العامة نحو المدرسة 0
فمفرطو الاتكالية من الأطفال غالباً ما يخافون من مجرد التفكير بالذهاب إلى
المدرسة لأنهم يجزعون من الانفصال عن والديهم 0 وهذه المخاوف المفرطة تشكل نمواً
شاذاً في الطفولة المتوسطة وتسمى بـ ( رهاب ) المدرسة 0 وقد أشار الأطفال الفقراء
الذين يعيشون في الأحزمة الفقيرة من المدن الكبيرة إلى أن لديهم سبباً معقولاً لعد
المدرسة وسطاً معادياً لا يستطيع أن يقدم لهم أي شيء إيجابي 0
إلا أن
أغلبية الأطفال يتلهفون للمدرسة لأنها تلعب دوراً أساسيا في نموهم الاجتماعي
والذهني ففيها يتعلمون المهارات الأساسية من القراءة والكتابة والحساب وفيها
يتفهمون محيطهم وبيئتهم الاجتماعية ويقيمون علاقات اجتماعية مع أعداد كبيرة من
الراشدين والأقران توفر المدرسة للصغار إذاً مجالاً للتعلم والإحساس بالقدرة على
العمل ومقابلة الناس الجدد والتسلية 0 ويتوقف استمرار تلهف الأولاد للمدرسة على
نوع المدرسة التي ينتمون إليها وعلى موقف الوالدين من عملية التربية 0
تأثير
المدرسة :
لا شك أن حجم
المدرسة وسياستها التربوية يؤديان دوراً حاسماً في تشكيل اتجاهات الأولاد منها 0
والمعروف أن حجم المدرسة يحدد عدد الظروف التي تمنح للتلاميذ إذ يتوقف حظ التلميذ
في الاشتراك بأية مهمة أو الإجابة عن أي سؤال على عدد أقرانه في الصف 0 وقد وجد (
باركر ) وزميله أن التلاميذ في المدارس الصغيرة أميل من أقرانهم في المدارس
الكبيرة لأن يشاركوا أقرانهم في الفعاليات ولأن تستغرقهم الأوضاع القيادية
والوظيفية 0 وتبين للباحثين أيضاً أن لتلاميذ المدارس الصغيرة مشاعر إيجابية بصدد
الإحساس بالكفاءة وبصدد كونهم مقدرين من أقرانهم وبمساهمتهم في الجهود الهامة للفئة
0 إلا أن أثر حجم المدرسة أكثر تعقيداً من ذلك في الواقع فالأولاد يختلفون في
الاستجابة لحجم المدرسة ويستطيع الموهوبون منهم في العادة أن يجدوا لأنفسهم مكاناً
في المدرسة بصرف النظر عن حجمها 0 والأطفال الكسالى وحدهم سواء أكانوا محدودي
الموهبة أم متوسطيها هم الذين يميلون للانغلاق بوجه الإغناء والفعاليات المتعددة
في المدرسة الكبيرة 0 أما في المدارس الصغيرة نسبياً فإن الأولاد الهامشيين يميلون
للاستغراق في الفعاليات المدرسية بدرجة تقترب من درجة أقرانهم القادرين 0 ثم أن
فرص الإسهام في الصف والفعاليات الأخرى تكتسب معانيها فقط في إطار ما تستطيع أن
تقدمه 0 غذ تعجز المدارس الصغيرة عن تقديم الفن والموسيقى والتربية البدنية ومكتبة
محترمة لتلاميذها 0 ولا شك أن المدارس التي تعوزها أساليب التعليم المعاصرة ومرافق
التسلية الملائمة قد لا تولد في تلاميذها اللهفة وذلك بصرف النظر عن عدد التلاميذ
فيها 0
والعامل
الأكثر حسماً وتأثيراً بمشاعر الأولاد نحو المدرسة إنما هو السياسة التربوية
المتبعة فيها 0 فتخطيط البرامج وطرق التعليم التي تجعل التعلم مغامرة حية مثيرة
زاخرة بالمعنى إنما تدغدغ الفضول والاهتمام خلافاً للتعليم الذي يتصف بالرقابة
المتشددة والبعد عما يجري في العالم فإنه يطمس لهفة الأولاد للمدرسة 0 ويصف (
سلبرمن ) في كتابه ( أزمة في الصف ) تلك الحال ويعتقد أن الكثير من المدارس
الابتدائية يتجه صوب ( التربية المخنثة ) التي تؤكد على النظام والانضباط والخضوع
ولا تعير للاعتماد الذاتي والحساسية والفضول الذهني وتربية القيم وكنتيجة لذلك فإن
أعداداً كبيرة من الصغار يغدون في المدرسة ضجرين قلقين ويخفقون في تحقيق إمكاناتهم
الشخصية والذهنية 0
ومن الأمثلة
الأساسية لفقر السياسة التربوية استخدام مواد للقراءة لا تثير الاهتمام ولا ترتبط
بالحياة التي يألفها الصغار 0 فالكثير من الكتب يمثل عالماً غير حقيقي يتصف كل
إنسان فيه بالطيبة ويتمتع بالسعادة الأبدية 0 وهو عالم يخلو من الفقر والجوع
والحرمان والعنف والخيانة والتعصب والبطالة وقد أوضحت دراستان هامتان الفروق التي
تلقيها التغيرات في قراءة الأطفال 0 قام وبرغ وتروست بمقارنة مادة القراءة التي
كانت تعطى لفئة من أبناء الصف الأول بالكتب التي اختارها هؤلاء من المكتبة 0 فوجد
الباحثان أن ما فرض على الصغار قراءته أكد الموضوعات التقليدية التي تصور الحياة
نعيماً دائماً 0 أما الكتب التي اختارها الصغار من المكتبة فشملت أساطير شعبية
تصور الخير والشر في الناس وقصصاً واقعية تصور الحياة بأفراحها وآلامها 0 واختبر (
آرثر وماركل ) في دراسة ثانية قدرة أبناء الصف الخامس على قراءة مقطوعتين لم يول
التلاميذ أولاهما أية أهمية خلافاً للثانية التي كانت تثير فيهم أرفع اهتماماتهم 0
وتخطت قراءة التلاميذ في المقطوعة التي تهمهم نظيرتها في المقطوعة التي لا تثير
فيهم الاهتمام 0 غضافة لذلك وفي الوقت نفسه الذي تخطت فيه البنات الصبيان في
القراءة فإن الفرق بين الجنسين كان كبيراً في المقطوعة التي لم يعطها الأولاد
اهتماماً وتساوى الجنسان في المقطوعة التي لهم بها اهتمام كبير 0 واضح إذاً أنه
بالإمكان تحسين مهارات التلاميذ في القراءة بجعل مواد القراءة من إطار اهتماماتهم
0
تعد التربية
من أجل الإخضاع جزءاً من مشكلة تقليدية أكبر تتمثل في الصراع بين التربية
التقليدية والمعاصرة 0 ويؤكد المنهج التقليدي أهمية المعرفة ويحكم على الصغار
بتحصيلهم المدرسي لهذا السبب يكون معلمو المدارس التقليدية موجهين نحو التعليم
والمادة أي أنهم يعملون كرجال سلطة وظيفتهم نقل الوقائع والمحافظة على النظام في
الفصل 0 يفترض المنهج التقليدي أن في الصغار حافزاً أصيلاً للتعلم يدفعهم للمنافسة
وإتقان العمل ويجعلهم يسعون لكسب استحسان معلمهم بصنع الشيء الكثير 0 أما المنهج
التربوي الحديث فيتوجه نحو التلميذ إذ يقوم التأكيد في هذا المنهج على مساعدة
الأولاد لتنمية ذواتهم اجتماعياً ونفسياً وذهنياً وتستخدم المدارس الحديثة
طبقاً لذلك الكشف والتجريب والحوار لإثارة تخيلات الأولاد وفضولهم ويقرأ معلمو تلك
المدارس مع تلاميذهم بدلاً من أن يتحدثوا إليهم من فوق 0 كما يحرص المعلمون على
تربية الدافعية للتعلم عند الأولاد وجعل التعليم تجربة مثيرة وناجحة 0
وبهدف تحديد
فاعلية الاتجاه التقليدي والاتجاه الحديث في التربية قامت ( مينوشين ) بإعداد
دراسة مكثفة لأبناء الصف الرابع في مدرستين تقليدتين ومدرستين حديثتين 0 وتبين أن
أولاد المدارس الحديثة كانوا أقدر من أولاد المدارس التقليدية على وصف ذواتهم
بوضوح وتقبلها كما كانوا راضين عن كونهم أطفالاً ومتفهمين للجنس ودوره في الحياة 0
أما أطفال المدارس التقليدية فقد كانوا أميل إلى الانغلاق على ذواتهم و ( توجهوا
بالمستقبل ) بدلاً من توجههم باللحظة الراهنة مما يدل على ضعف ارتباطهم بالواقع 0
كما حافظ هؤلاء على ارتباطاتهم التقليدية الاجتماعية التي حالت بينهم وبين التفتح
على الجنس ودوره في الحياة 0
يمكن للفرد
أن يستنتج من مثل تلك الدراسات أن المدرسة الحديثة تميل لصنع أولاد متفتحي العقل
ومتحررين إلى درجة ما من التقاليد خلافاً للمدرسة التقليدية التي تحاول إخضاع
الأولاد للقيم السائدة ويمكن من جهة ثانية الاستنتاج بأن المدرسة الحديثة تنمي
الفجاجة و ( الزعزعة ) في الشخصية خلافاً للمدرسة المحافظة التي تؤكد الإحساس
بثبات الاتجاه الأمر الذي يساعد الصغار لأن يجدوا معنى لمكانهم في المجتمع 0 إضافة
لذلك فإن دراسة مينوشن تجعل من الصعب وضع حد قاطع بين منهجي ( توجيه التعليم) و (
توجيه التلميذ ) إذ لم تقم فروق ثابتة في المهارات الادراكية بين تلاميذ المنهجين
0 وعلى الرغم من تأكيد المدرسة الحديثة على التخيل والتجريب فإن أبناءها لم
يتفوقوا في دراسة ( مينوشين ) على أبناء المدرسة التقليدية في حل المشكلات التي
تتطلب تفكيراً استكشافياً مرناً 0 فمن الواضح إذاً أنه لا يمكن عد التربية
التقليدية شراً كاملاً والتربية الحديثة خيراً كاملاً وقد وصف كلا المنهجين بأوصاف
سيئة وأوصاف حسنة 0 وتروي مينوشين بهذا الصدد أن كثيراً من الأولاد اللامعين في
واحدة من المدارس الحديثة كانوا قاصرين وعاجزين عن الدراسة المجدية والعمل بمستوى
قابلياتهم 0 وكان يمكن لهؤلاء بسبب نمط شخصياتهم أن ينتجوا في صف تقليدي تديره
معلمة تسلطية 0 وبرأي مينوشين يتوقف اتجاه الأولاد من المدرسة ومدى تحقيقهم
لإمكاناتهم المدرسية على مميزات المدرسة التي يلتحقون بها ومدى ملاءمة تلك
المميزات لحاجاتهم الفردية واهتماماتهم الخاصة 0 فليس هناك وسط تربوي سيء أو جيد
للأولاد كلهم 0
إلا أن دراسة
مينوشين لا تكفي وحدها لتحديد فاعلية الاتجاه الحديث في التربية 0 ولا بد من
ملاحظة أن التربية الحديثة لا تهمل مسألة الفروق الفردية التي تشير إليها (
المربية المذكورة ) بل هي على العكس تعد مبدأ تفريد التعليم واحداً من أهم مبادئها
0 إضافة إلى ذلك تؤكد التربية الحديثة على ضرورة تنمية الاتجاهات الثابتة لدى
التلاميذ بهدف إعدادهم للحياة الاجتماعية بدرجة لا تقل عن التربية التقليدية 0
أثر
الوالدين :
يتقمص
الأولاد مشاعر والديهم من المدرسة ومن التربية 0 فالأهل الذين يقدرون الظاهرة
التربوية ويحترمون جهود معلمي أولادهم إنما يشجعون إقامة اتجاهات إيجابية نحو
المدرسة في أولادهم 0 أما الوالد الذي يقلل من أهمية المعلم فإنه يعمل على إقامة
اتجاهات سلبية من المدرسة في ابنه 0 وبالمثل فإن الوالد الذي يقول بأهمية التربية
ولا يبدي اهتماماً موازياً بالقراءة أو الحوار فإنه يثبط ابنه عن أن يكون اهتماماً
إيجابياً بالمدرسة 0 سبق أن أشرنا من قبل إلى ميل الولد لفعل ما يفعله الوالد وليس
لفعل ما يقوله الوالد 0 وقد أبانت ( غراندال ) باستخدامها وقائع من درسات طولانية مكثفة
حول نمو الطفل أجراها معهد فيلز بعض العلاقات الواضحة بين مشاعر الوالد نحو
التعليم والمدرسة عموماً وبين استجابته للتجربة التربوية لأبنائه فيزداد تقدير
الوالد للتحصيل العلمي لابنه ويزداد ميله لمشاركة ابنه فعالياته الذهنية بازدياد
القيمة التي يضعها الوالد لتحصيله العلمي والثقافي الخاص 0 والطريف أن يكون
الوالدان أميل للدفاع عن أهمية التعليم لبناتهم منهم للدفاع عنه بالنسبة لأبنائهم
خلال المدرسة الابتدائية إلا أن هؤلاء الأهل أنفسهم معايير تربوية لأبنائهم ارفع
من نظيرتها لبناتهم 0 مال الأهل الذين يعتقدون بأهمية التعليم عموماً لأن يتوقعوا
تحصيلاً مدرسياً لبناتهم أرفع من نظيره لدى أبنائهم إلا أنهم كانوا أميل لتقبل
إخفاق بناتهم من تقبلهم إخفاق أبنائهم 0
وترجع ( غراندال ) تلك
الفروق إلى القوالب والمفاهيم الاجتماعية السائدة بصدد الجنس 0 إذ لا يتوقع
للصبيان طبقاً لتلك القوالب الاجتماعية أن يستغرقوا كلياً في دراستهم على حساب
فعالياتهم الذكرية وذلك كيلا ينقلبوا مخنثين أو ديدان كتب بينما يعد من الضروري أن
تتمتع البنت بالمدرسة لأن العمل المدرسي فعالية طبيعية ملائمة للبنت في تلك السن
المبكرة 0 وتؤكد التوقعات التقليدية للجنسين أن النجاح في المدرسة في المدى الطويل
أكثر أهمية للصبيان منه للبنات ذلك لأن الصبيان هم المؤهلون للعمل وكسب الرزق لهذا
السبب يولي الأهل أهمية كبيرة لتعليم بناتهم على حين يقلقون أشد القلق بصدد إخفاق
أبنائهم في المدرسة والانتماء الطبقي للوالدين يؤثر تأثيراً كبيراً في اتجاهات
الأولاد نحو المدرسة 0 فالوالدون من الطبقتين الوسطى والعليا يميلون إلى عد
المدرسة سبيلاً للأعداد للحياة اجتماعياً ونفسياً ومهنياً ويتحدث هؤلاء عادة بصورة
إيجابية عن المدرسة وما تقدمه من فوائد كما يتتبعون نشاط أبنائهم فيها 0 ويقدرون
دلالة ما يتعلمونه ويناقشونهم فيه من أجل تعزيز نجاحم المدرسي 0 أما الوالدون من
الطبقة الدنيا فيبدون قدراً ضئيلاً من الاهتمام بالتربية المدرسية وقد يعدون
المدرسة معهداً غريباً معادياً ويتصورون التحاق أبنائهم بها ضرباً من الخضوع
للقانون أو في أحسن الأحوال طريقاً للحصول على مهنة تدر مالاً وخيراً ولا يميل أهل
الطبقة الدنيا شأن أهل الطبقتين المتوسطة والعليا لمناقشة الفعاليات المدرسية مع
أولادهم أو لفهم ما يدرس الصغار ومساعدتهم فيه أو لمدح نجاحهم في الصف 0 ونتيجة
لذلك تكون مشاعر أبناء الطبقة الدنيا نحو المدرسة أقل إيجابية من نظيرتها لدى
أبناء الطبقتين المتوسطة والعليا 0
لا بد من جهة
ثانية أن نكون حذرين من التعميم بصدد الفروق الطبقية وأثرها في التعليم المدرسي 0
ففي المحل الأول يمكن للمدرسة أن تكون وسطاً معادياً لبعض الطبقات الدنيا أو لبعض
الأحياء المحرومة وذلك بصرف النظر عن اتجاهات الأهل من المدرة 0 وثمة سبب معقول
للاعتقاد بأن وسم الأطفال بالمحرومين اجتماعياً قد يقود المعلمين لأن يتوقعوا
القليل من هؤلاء الأولاد الأمر الذي يجعل الاهتمام والتشجيع والدعم الذي يلقونه من
هؤلاء المعلمين أقل من نظيره الذي يلقاه أبناء الطبقتين المتوسطة والعليا 0 وقد
وجد رتشر في دراسة ممتعة لتلك الظاهرة أن أبناء الطبقة الدنيا كان لهم في المدرسة
التقليدية نصيب أقل من نصيب أقرانهم من الطبقتين المتوسطة والعليا في التفاعل مع
العلم وفي ممارسة النشاطات التعليمية المختلفة وذلك خلافاً لحظوظهم في تلك الأمور
نفسها في المدرسة الحديثة الأمر الذي يحسن أداءهم بشكل ملحوظ في المدرسة الحديثة 0
ثم أن الأهل في أية طبقة اجتماعية قد يختلفون بعمق ويعبرون عن اتجاهات جد متباعدة
نحو أولادهم 0 فقد وجد غرينبرغ ودافيدسون الكثير من الفروق بين الأهل من الطبقة
لدنيا السود والبيض على السواء بصدد التعليم المدرسي 0 وكان أهل الأولاد الناجحين
أكثر اهتماماً من أهل الأولاد غير الناجحين بتربية الولد وأكثر إلماماً بنظام
المدرسة وميلاً لأن يضم بيتهم كتباً وحاجات للعمل المدرسي 0 والنتيجة المحققة هي
أن اتجاهات الوالدين الإيجابية من المدرسة تترابط بصورة دالة تماماً مع تحصيل
الأولاد في المدرسة بغض النظر عن الانتماء الطبقي ثم أن الأثر الذي يتركه الأقرباء
وغيرهم من مناصري التعليم المدرسي يساعد في تكوين مشاعر إيجابية من المدرسة بصرف
النظر عن اتجاهات الوالدين والمعلم 0 ومن يخفق في تقرير تلك الإمكانيات يفترض خطأ
أن تلاميذه من الطبقة الدنيا معرضون أكثر من سواهم للفشل الدراسي وهذا التوقع
السلبي سيزيد من بؤس أبناء الطبقة الدنيا البؤساء 0
الإحساس
بالكفاءة والقصور :
يدأب أطفال
مرحلة ما قبل المدرسة لاكتساب المهارات الحركية والاجتماعية التي يحتاجونها للتكيف
مع العالم من حولهم 0 ويتابع الأطفال في مرحلة الطفولة المتوسطة جهادهم من أجل
التكيف الاجتماعي فتقوى حوافزهم لتحصيل أهداف مستقبلية خاصة ويشتد اهتمامهم
بالتنافس مع أقرانهم كما ينمو إحساسهم بالكفاءة بصدد المهارات المكتسبة واللازمة
للكفاح وذلك نتيجة لزيادة تأهيل الناشئ واستقلاليته ونضجه المعرفي 0
يتحدث
أريكسون ( 1963 ) عن سنوات المدرسة الابتدائية بعدها الفترة التي يكون فيها الصغار
إحساسهم بالكفاءة والعمل المنتج أو بالقصور 0 يرى الباحث أن إحساس الصغار بالكفاءة
يتوقف على مدى تعزيز دوافعهم للتحصيل وتنافسهم ونشاطهم 0 يكون الإحساس بالكفاءة
بهذا المعنى ضرباً من شعور الناس بقدرتهم على مجابهة التحديات التي تعترضهم في
العالم من حولهم 0 ولاشك أن الأهل يستطيعون أن يلعبوا دوراً فعالاً وهاماً في
تنمية إحساس ولدهم بالكفاءة أو القصور 0 فالأهل الذين يعلمون أبناءهم الصيد والسباحة
والطبخ والخياطة واستخدام الأدوات وغيرها من المهام بضرب من الصبر والأناة
والإعجاب إنما يعملون في الوقت نفسه على تقوية إحساس أولادهم بالكفاءة 0 ويحل
الإحساس بالقصور محل الإحساس بالكفاءة إن قلل الأهل من جهود أولادهم وسخروا منهم
لممارسة الفعاليات المذكورة 0
ولا شك أن
التربية المدرسية تؤدي دوراً حاسماً في تنمية إحساس الأولاد بالكفاءة أو القصور 0
ففي المدرسة تتحدد قابليات الولد بالمقارنة مع قابليات أقرانه في الصف أو الملعب 0
ويمكن للتجربة التربوية الإيجابية في المدرسة أن تصحح التجربة التربوية السلبية في
البيت كما يمكن للتجربة المدرسية السلبية أن تلغي التجربة المنزلية الإيجابية
فينقلب الطفل من الإحساس بالكفاءة والرغبة في العمل إلى الإحساس بالعجز والقصور 0
أثر
قابليات الطفل :
يرتب الأولاد
في المدرسة طبقاً لمواهبهم في مختلف المجالات فيحصل المبرزون على أرفع النقط في
الفصل 0 وسرعان ما يعرف الأطفال جميعهم زميلهم الذي سينجح بتفوق إلى الفصل التالي
وزميلهم الذي سيعيد سنته الدراسية ومن سيعطي الإجابة الصحيحة عند طرح السؤال ومن
سيزوي خلف المقعد يود لو لم يره المعلم 0 ولا يختلف الأمر في الملعب عنه في الصف
إلا في نوع الموهبة التي تحدد قيمة الطفل 0 ففي الملعب أيضاً يرتب الأولاد طبقاً
لقابلياتهم الرياضية العامة ولمهاراتهم الخاصة في هذه اللعبة أو تلك 0 ويستمر
الترتيب والتقويم في مجال الرسم والموسيقى وفي غيرها من الأنشطة المدرسية المتنوعة
0
تجابه تلك
التجارب الأولاد بقدر يزيد أو ينقص من التقويم الموضوعي لقابلياتهم في إطار
قابليات أقرانهم 0 وكما ذكرنا فإن الاتجاه الإيجابي نحو الذات في مرحلة ما قبل
المدرسة ينبعث من الإحساس بالإنجاز الذي يرافق سيطرة الولد على المهارات الحديثة
بصرف النظر عما يفعله الآخرون 0 إلا أن الأمر في الطفولة المتوسطة يختلف كثيراً إذ
تغدو المقارنة الاجتماعية العامل الحاسم في تحديد القيم التي يرشقها الولد على
نفسه 0 ويتوقف الإحساس بالكفاءة والجدارة في هذه المرحلة على إدراك الأولاد
لأنفسهم بالنسبة لأقرانهم وليس على ما يقدرون حقاً على فعله 0
إن تقويم
أبناء المدرسة الابتدائية لقابلياتهم المدرسية يعتمد على المستوى العقلي العام
لرفاقهم في الصف وذلك بسبب حساسية أبناء المدرسة الابتدائية المفرطة للمقارنة
الاجتماعية 0 فقد يحس التلميذ ذو الذكاء المتوسط في مدرسة يكون ذكاء غالبية
أفرادها متوسطاً بالرضى لنجاحه المدرسي وتنعكس الآية بالنسبة للتلميذ نفسه إن كانت
غالبية زملائه من الموهوبين فيعاني آنذاك من الضيق والفشل المدرسي مما يقعده عن
العمل 0 وتتأثر اتجاهات التلميذ من ذاته بمدى ممارسته للفعاليات التي يعلي أقرانه
من شأنها 0 ففي فئة من تلاميذ المدرسة الابتدائية الذين يعلون من شأن الرياضة
مثلاً يكون لمن يوصف بأحسن الرياضيين أو بأسوئهم اتجاه من الذات غاية في الإيجابية
أو السلبية بالتعاقب الترتيبي 0 إن كل من له موهبة من الأولاد سيجد آخر الأمر
تعزيزاً لتلك الموهبة في مكان ما ومن شخص ما وتوفر المدرسة لهؤلاء الموهوبين
والعباقرة أو الذين لهم نذر من موهبة في جانب ما الاعتراف الإيجابي الملائم 0 أما
التلاميذ غير الموهوبين والمتخلفون عن زملائهم فسيجدون ولا ريب صعوبة في التكيف
للجو المدرسي مما يعمق إحساسهم بالقصور ويؤكد تجربتهم المدرسية الفاشلة 0
أثر
المعلــم :
يتمتع المعلم
بموقع فريد يمكنه من تقوية دافع التحصيل والتنافس السليم ومشاعر الكفاءة لدى صغاره
وذلك بتشجيعهم وتعزيز جهودهم وإثارة اهتماماتهم بالتعلم 0 ويستطيع المعلم الملتزم
مساعدة تلاميذه على اكتشاف قابلياتهم والتخفيف من إحساس العجز والقصور الذي يعانيه
متخلفوهم ثم أن المعلم المهمل نفسه يعد نموذجاً لتلاميذه يقلدونه في تعاملهم يعضهم
مع بعض فيميل التلاميذ الذين يلاحظون معلمهم يمدح زميلهم أو يشجعه لأن يعاملوا ذلك
الطفل بالأسلوب نفسه معززين بذلك إحساسه بالكفاءة أما الأطفال الذين يسخر منهم
معلمهم ويحقرهم فهم أميل لأن يتبعوا الطريقة نفسها مع الأقران 0 وتؤكد دراسات
متعددة أن بمقدور سلوك المعلم أن يؤثر في الاتجاهات المدرسية للأولاد وبتحصيلهم
المدرسي فتعمل زيادة مديح المعلم لتلاميذه أو إعطائهم نقطاً مرتفعة لعملهم المدرسي
على جعلهم ينجحون في المدرسة وعلى تشديد الدأب لديهم والتصميم على النجاح وبالعكس
فإن انعدام المديح وانخفاض النقط المدرسية تجر الصغار إلى خفض توقعاتهم من أنفسهم
وتحد من نشاطهم المدرسي 0 ولا بد من التأكيد بأن تلك الملاحظات ليست سوى تعميمات
فقط 0 إذ يمكن لبعض الصغار بسبب نمطهم الشخصي الفريد أن يندفعوا لتحسين أوضاعهم
بوساطة النقد الشديد وإيجاد الأخطاء بدلاً من المديح والاعتراف بالنجاح 0 وعلى
العموم يتوقع للتلاميذ أن يبدوا اتجاهات إيجابية نحو ذواتهم وأن يتحسنوا في
المدرسة عندما تتخذ اتجاهات معلميهم منهم صيغتها الإيجابية 0 وليس ثمة شك في أن
المعلمين يكونون اتجاهات مختلفة حقاً من تلاميذهم في الصف 0 وقد استطاع ( سلبرمن )
أن يتعرف على أربعة من تلك الاتجاهات بمجرد طرحه عدداً محدوداً من الأسئلة الموجزة
على المعلمين حول تلاميذهم 0 وهذه الاتجاهات هي التعلق واللامبالاة والاهتمام
والرفض وقد أمكن تحديدها بأسئلة كالتالي :
1-
التعلق : من التلميذ الذي قد
ترغب في إبقائه سنة أخرى لمجرد الإبقاء ؟
2-
اللامبالاة : إن فاجأك أحد
الأهل في الاجتماع من التلميذ الذي تكون على أقل استعداد للتحدث عنه ؟
3-
الاهتمام : إن كنت تستطيع تكريس
انتباهك لتلميذ يهمك كثيراً فمن تختار ؟
4-
الرفض : إذا كان لا بد من إنقاص
عدد التلاميذ في الصف فمن تبعد من التلاميذ عنه ؟ وجد (سلبرمن ) وآخرون أن تلك
الاتجاهات ترتبط ببعض أنماط تفاعل المعلم بالتلميذ في الصف وعلى الرغم من أن
اتجاهات المعلم تخضع للطريقة التي يعمل وفقها التلاميذ في الصف فإنها بدورها
تستطيع أن تؤثر في تكوين اتجاهات التلاميذ من المدرسة وقد وجد مثلاً أن بعض
إجراءات المعلم تثبط همة التلميذ ومن تلك الإجراءات تكرر سؤال التلميذ ومنحه وقتاً
قصيراً للإجابة وتقبل العمل الضعيف ومدحه وعدم إعارة الأهمية لما يفعله التلميذ
ودفع التلميذ للجلوس في الزاوية الخلفية للصف
ConversionConversion EmoticonEmoticon